الحجر الأسود هو قطعة من الجنة، أو يمكن القول إنه القطعة الوحيدة من الجنة الموجودة على الأرض. هذا الحجر يحظى بأهمية قصوى في الإسلام، فهو النقطة التي يبدأ منها الطواف حول الكعبة. عند الطواف، يستلم الحاج الحجر الأسود ويقبله، وإن لم يستطع الوصول إليه، يشير إليه من بعيد. وهذا الحجر سيشهد يوم القيامة لمن استلمه بحق وإيمان.
من الحوادث الفريدة والغريبة في التاريخ الإسلامي أن الحجر الأسود سُرق من الكعبة، ولم يكن سرقة عابرة لمدة يوم أو يومين، بل استمرت سرقته لمدة 22 سنة! فقد سرقه القرامطة، وهم طائفة من طوائف الشيعة، في سنة 317 هجريًا، ولم يُعاد إلى الكعبة إلا في سنة 339 هجريًا. هذه الحادثة تحتاج إلى وقفة وتدبر، فهي تُظهر مدى الضعف الذي وصلت إليه الأمة الإسلامية في تلك الفترة.
القرامطة هم فرقة من فرق الشيعة، والشيعة بشكل عام ينقسمون إلى طوائف كثيرة جدًا، قد تصل إلى 70 طائفة. هذه الطوائف تتفق في الغلو في حب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث يعتبرونه الإمام الأول بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ويدّعون أن النبي أوصى بالإمامة إليه. ثم يعتقدون أن عليًا أوصى بالإمامة لسلسلة من الأئمة تبدأ بالحسن بن علي رضي الله عنه، ثم الحسين بن علي رضي الله عنه، ثم يستمر النسل في أبناء الحسين.
هذا الاعتقاد أدى إلى انقسامات كبيرة بين الشيعة، حيث اختلفوا في تحديد من هو الإمام الشرعي بعد الحسين، مما أدى إلى ظهور فرق عديدة، أشهرها الاثنا عشرية والإسماعيلية. الاثنا عشرية يعتقدون أن الإمام السابع هو موسى الكاظم بن جعفر الصادق، بينما الإسماعيلية يعتقدون أن الإمام السابع هو إسماعيل بن جعفر الصادق، ومن هنا جاءت تسميتهم بالإسماعيلية.
من الإسماعيلية انبثقت فرقة القرامطة، الذين ادعوا أن الإمامة توقفت عند محمد بن إسماعيل، وأن هناك دعاة يتواصلون مع الإمام الغائب. هذه الفرقة كانت من أكثر الفرق انحرافًا، حيث استحلوا المحرمات مثل الخمر والزنا، وأسقطوا التكاليف الشرعية كالصلاة والزكاة، وأنكروا الجنة والنار، وادعوا وجود إلهين.
في سنة 305 هجريًا، تولى قيادة القرامطة رجل يدعى أبو طاهر الجنابي، وكان عمره آنذاك 10 سنوات فقط! ومع ذلك، كان قائدًا عنيفًا ومفسدًا. في سن 16 سنة، اجتاح البصرة بجيش صغير قوامه 1700 رجل، وقتل الآلاف واستولى على الأموال، ولم يستطع أحد أن يقف في طريقه.
في سنة 317 هجريًا، وفي ذروة قوته، اقتحم أبو طاهر مكة في يوم التروية، وقتل الآلاف من الحجاج، وخلع الحجر الأسود من مكانه، وأخذه إلى عاصمة القرامطة في هجر. بقي الحجر الأسود هناك لمدة 22 سنة، حتى أعاده القرامطة إلى الكعبة في سنة 339 هجريًا تحت ضغط من الخليفة العبيدي في مصر.
هذه الحادثة كانت إنذارًا للمسلمين، تُظهر مدى الذل والهوان الذي يمكن أن تصل إليه الأمة عندما تفرقها الخلافات وتضعفها الصراعات الداخلية. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها"، وقال: "ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، ويقذفن الله في قلوبكم الوهن". قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت".
نسأل الله أن يعيد الأمة الإسلامية إلى قوتها، وأن يحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
0 تعليقات