فإن الحديث اليوم يدور حول أول صحابي جهر بقراءة القرآن الكريم في صحن الكعبة، وهو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. هذا الموقف يعتبر من المواقف البطولية في تاريخ الدعوة الإسلامية، حيث كان الصحابة في العهد المكي يخفون إسلامهم ويقرؤون القرآن سرًا خوفًا من بطش قريش.
لماذا كان الجهر بالقرآن خطرًا؟
في بداية الدعوة الإسلامية، كانت قريش تعادي الإسلام وتحاول منع الناس من الاستماع إلى القرآن الكريم. فقد أدركوا أن القرآن له تأثير قوي على النفوس، ولذلك كانوا يمنعون الناس من الجلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم، ويستهزئون بالقرآن إذا سمعوه. قال الله تعالى: "وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون" (فصلت: 26).
موقف عبد الله بن مسعود
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان من أوائل الذين أسلموا، وكان معروفًا بحسن قراءته للقرآن. في يوم من الأيام، اجتمع الصحابة وقالوا: "والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط". فقرروا أن يجدوا شخصًا يقرأ القرآن جهرًا في صحن الكعبة حتى تسمعه قريش.
عبد الله بن مسعود تطوع لهذه المهمة الخطيرة، رغم أنه كان شابًا صغيرًا (حوالي 22 عامًا)، وضعيف البنية، وليس له عشيرة قوية تحميه في مكة. ومع ذلك، قال: "دعوني، فإن الله سيمنعني".
الموقف البطولي
ذهب عبد الله بن مسعود إلى الكعبة في وقت الضحى، عندما كان الناس مجتمعين، ووقف عند مقام إبراهيم وبدأ يقرأ سورة الرحمن بصوت عالٍ: "بسم الله الرحمن الرحيم، الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان...".
الناس بدأت تسمع القرآن لأول مرة بشكل واضح، فاندهشوا وقالوا: "ماذا يقول ابن أم عبد؟". لكن زعماء قريش غضبوا وهاجموه، وبدأوا يضربونه في وجهه ليُسكتوه. ومع ذلك، استمر عبد الله بن مسعود في القراءة حتى بلغ ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا الضرب في وجهه.
رد فعل الصحابة
عندما عاد عبد الله بن مسعود إلى الصحابة، قالوا له: "هذا الذي خشينا عليك"، أي أنهم كانوا يخافون عليه من بطش قريش. لكنه رد عليهم بقوة: "ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدًا". أي أنه أصبح لا يخاف منهم بعد أن تجرأ على مواجهتهم.
الدروس المستفادة
1. الشجاعة في الدعوة: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يعلمنا أن الدعوة إلى الله تحتاج إلى شجاعة وإقدام، حتى في أصعب الظروف.
2. التضحية في سبيل الله: الصحابة كانوا مستعدين للتضحية بأنفسهم من أجل إعلاء كلمة الله.
3. قوة الإيمان: الإيمان القوي يجعل الإنسان يتحدى الصعاب ولا يخاف من أي عدو.
خاتمة
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان مثالًا للشجاعة والإيمان، حيث جهر بالقرآن في وجه قريش رغم كل التحديات. هذا الموقف يعلمنا أن الدعوة إلى الله تحتاج إلى إخلاص وشجاعة، وأن الله يحمي من يجهر بكلمته. نسأل الله أن يرزقنا الإيمان القوي والشجاعة في الدعوة إلى دينه.
0 تعليقات