اليوم نتعلم درسًا عظيمًا من قصة امرأة عظيمة من تاريخنا الإسلامي المجيد، قصة تعلمنا "عزة النفس". عزة النفس تعني ألا تمد يدك لتسأل الناس شيئًا، بل تجتهد في أن تعتمد على نفسك وتكفي ذاتك. هذه القصة هي قصة "زمرد خاتون بنت جولي"، امرأة عظيمة من التاريخ الإسلامي، والتي ضربت لنا مثلًا رائعًا في عزة النفس والاعتماد على الذات.
عزة النفس: درس من الحديث النبوي
قبل أن نخوض في تفاصيل قصة زمرد خاتون، نستذكر حديثًا شريفًا يعلمنا هذا المبدأ العظيم. عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه."
هذا الحديث يعلمنا أن العمل، حتى لو كان بسيطًا أو متواضعًا في أعين الناس، خيرٌ من سؤالهم. فالعمل الشريف يكفي الإنسان ويحفظ كرامته، بينما سؤال الناس قد يعرضه للإحراج أو الذل.
قصة زمرد خاتون: من القصور إلى العمل الشريف
زمرد خاتون بنت جولي كانت أميرة من أميرات دمشق في القرن السادس الهجري. كانت ابنة أمير، وزوجة أمير، وأمًا لأمراء. عاشت حياة الترف والسلطان، حيث كانت تتحكم في مقاليد دمشق لفترة طويلة. كانت سليلة ملوك وأمراء، وتزوجت من كبار القادة مثل عماد الدين زنكي، مؤسس الدولة الزنكية.
لكن الأيام دارت، وتغيرت أحوالها. بعد طلاقها من زوجها الأخير، الذي كان يسيء معاملتها، وجدت نفسها دون مال أو سلطان. ومع ذلك، رفضت أن تمد يدها لتسأل الناس، رغم أنها كانت قادرة على ذلك بسهولة بسبب مكانتها السابقة.
بدلًا من ذلك، قررت أن تعمل بيدها لتكفي نفسها. ذهبت إلى المدينة المنورة، وعاشت حياة بسيطة، حيث كانت تعمل في غربلة الشعير وتنقيته من الشوائب. كانت تأخذ أجرًا بسيطًا مقابل عملها، وتعيش على هذا الأجر القليل دون أن تسأل أحدًا.
عزة النفس: درسٌ للرجال والنساء
قصة زمرد خاتون تعلمنا أن عزة النفس ليست فقط للرجال، بل هي قيمة عظيمة للنساء أيضًا. لقد كانت أميرة عاشت في القصور، ولكنها لم تتردد في العمل بيدها عندما تغيرت أحوالها. لم تطلب من أحد أن يعطيها، ولم تستجدِ أحدًا، بل فضلت أن تعمل في أبسط الأعمال لتكفي نفسها.
هذا الموقف يعلمنا أن المسلم يجب أن يكون عزيز النفس، يعتمد على نفسه ولا يمد يده للسؤال إلا عند الضرورة القصوى. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل."
العمل الشريف: طريق إلى الكرامة
زمرد خاتون لم تكن فقط امرأة عزيزة النفس، بل كانت أيضًا امرأة صالحة، تحب أعمال الخير والبر. أوقفت مدرسة في دمشق، وما زالت هذه المدرسة موجودة إلى اليوم. كانت تقرأ القرآن وتنفق في سبيل الله، حتى في أيامها الأخيرة عندما أصبحت فقيرة.
عاشت زمرد خاتون حياتها الأخيرة في المدينة المنورة، حيث ماتت ودفنت في البقيع. كانت نهايتها حسنة، حيث ماتت وهي تعتمد على نفسها، وتنفق من مال حلال تكسبه بجهدها.
درسٌ للناس جميعًا
قصة زمرد خاتون تعلمنا أن عزة النفس هي طريق إلى الكرامة والرضا. كثير من الناس اليوم يعتادون على سؤال الآخرين، حتى في أبسط الأمور، ولكن الإسلام يعلمنا أن نعتمد على أنفسنا ونعمل بجد لنكفي ذواتنا.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله." فمن يعف نفسه عن سؤال الناس، يعفه الله ويغنيه من فضله.
خاتمة: قدوة للرجال والنساء
زمرد خاتون بنت جولي كانت قدوة ليس فقط للنساء، بل للرجال أيضًا. لقد علمتنا أن الكرامة لا تأتي من المال أو السلطان، بل تأتي من عزة النفس والاعتماد على الله ثم على الذات.
فلنقتدِ بهذه المرأة العظيمة، ولنحفظ كرامتنا بأن نعمل بجد، ونبتعد عن سؤال الناس إلا عند الضرورة القصوى. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى."
0 تعليقات